الكاتب حسين مهدي في حوار مثير : حربي وآيت أحمد رفضا مقارنة جرائم فرنسا بالجرائم النازية
حسين مهدي كاتب جزائري من مدينة قسنطينة، يتقن اللغة الفرنسية ويكتب بها. بدأ الكتابة منذ السنوات الأولى للاستقلال، حيث نشر أول قصيدة ولكنه سرعان ما انتقل إلى نوع آخر من الكتابة بعد أن أصبح مسكونا بهاجس البحث عن الحقائق التاريخية لاسيما تلك المتعلقة بكشف الجرائم المرتكبة في حق شعوب العالم الثالث من قبل المستعمرين. يحدثك بحرقة وألم عما حدث للجزائر في مرحلة الستينات والسبعينات من صراعات وصدامات بين الزعامات التاريخية التي صنعت تاريخ الجزائر، ويتألم أكثر حينما يتذكر ممارسات السلطة آنذاك وإتباعها لسياسة تكميم الأفواه وخنق الأصوات المعارضة، حيث كان هو ضحية لتلك السياسة فسجن بسبب كتاباته الجريئة في فضح ممارسات المسؤولين، وسبق له أن قاد مسيرة بمفرده رافعا لافتة تدين ممارسات المسؤولين في عهد الحزب الواحد فحوكم على إثرها وأدخل السجن لمدة شهور.. طلبنا منه أن يبوح لنا ببعض ما يختلج في نفسه فوافق على الفور واستقبلنا بمنزله المتواضع بأحد الأحياء العتيقة لمدينة قسنطينة وسجلنا معه هذا الحوار. هل لك أن تعطينا لمحة تاريخية وجيزة عن حياتك؟ حسين مهدي من مواليد 1946 بمدينة قسنطينة ذو تكوين عصامي. بدأت كتابة الشعر سنة 1963 م، حيث نشرت أول قصيدة لي بجريدة "النصر"، ولكن وبعد الصراعات والنزاعات الزعاماتية حول السلطة صُدمت بممارسات بعض من ساهموا في صناعة التاريخ الجزائري، فتحولت إلى كتابة المقال الصحفي الذي يعتمد على نقد الممارسات السلطوية، وكذا كشف الحقائق المتعلقة بارتكاب الجرائم ضد شعوب العالم العربي والإسلامي وشعوب العالم الثالث ككل، حيث نشرت العديد من المقالات بمختلف الصحف الجزائرية الناطقة بالفرنسية وبعض الصحف الفرنسية من بينها: "المنشار"، "ليبدوليبيري"، "الوطن" "الهجرة"، "جديد الشرق"، "الجزائر الأحداث" وغيرها، لدي كتابان منشورات باللغة الفرنسية هما: "الموت في فرنسا" و"الحقد الذي حدثوني عنه".. وكتبت أيضا نص السيناريو لفيلم "الثائرة" الذي عرض لأول مرة سنة 1975 وأخرجه بوحفص، ولدي كتابان مخطوطان أحدهما سيرى النور قريبا. كيف تم الانتقال من كتابة الشعر إلى المقالات التي تبحث عن الحقيقة وتكشف ممارسات السلطة وكذا جرائم الاستعمار ضد الشعوب المستضعفة؟ منذ القدم فإن الاستعمار حاول أن يروّج لأكذوبة مفادها أن الاستعمار جاء لإخراج الشعوب من ربقة التخلف والجهل والفقر إلى نور الحضارة والتقدم والازدهار... فالشعب الجزائري تعرض لأبشع أنواع التعذيب والقتل ابتداء من جرائم 08 ماي 1945 وما قبلها إلى الآن، حيث يتعرض المهاجرون لأبشع أنواع الإهانة والتمييز العنصري.. وفي فلسطين الشقيقة طردوا شعبها وقالوا أن فلسطين أرض بلا شعب واستعمروها...إلخ. والمهمة التي وضعتها على عاتقي من خلال كتاباتي هو محاولتي المستميتة لكشف كل هذه الحقائق والممارسات، لأن الاستعمار في كل هذه البلدان كان قد ارتكب جرائم ضد الإنسانية وخاصة ضد جميع الشعوب المستعمرة، ولكن الغربيين عندما يتناولون هذا الموضوع فهم يكيلون بمكيالين. تصور مثلا أن الألماني المعروف "كلوس باربي" عندما سلمت له الشرطة الفرنسية حوالي 154 طفل يهودي وقتلهم حكم عليه بالسجن مدى الحياة حتى مات في السجن. أما الجرائم التي ارتكبها الأمريكيون في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات ضد الأطفال العراقيين حيث تسببوا في قتل حوالي 600 ألف طفل عراقي بفعل الحصار الاقتصادي اللاإنساني الذي فرض على هذا الشعب الأبي وبرعاية هيئة الأمم المتحدة، فلا أحد تكلم عنها أو وقف ضدها. وسكتت كل الهيئات العالمية والدولية بما في ذلك محكمة العدل الدولية. كنتم قد كشفتم في بعض كتاباتكم جرائم الاستعمار الفرنسي ضد الشعب الجزائري.. هل لكم أن تحدثونا عن جوانب منها؟ إن ما ارتكبه الاستعمار الفرنسي من جرائم ضد الجزائريين ليس لها نظير في تاريخ البشرية، والجرائم التي ارتكبت منذ السنوات الأولى للاحتلال لاسيما منذ 1945م كانت جرائم غير مسبوقة. ففي بلدة "هيليوبوليس" بولاية قالمة وحدها قتلوا في يوم واحد أكثر من 2000 شخص دفنوهم ثم أخرجوا جثثهم وأحرقوها بطريقة بشعة، كما أحرقوا الأحياء أيضا في كل من قالمة، خراطة، سطيف وغيرها وهذا بشهادة بعض الضباط الفرنسيين. والحقيقة أن جرائم الحرب ضد الإنسانية لا تقاس بالعدد فقط. بل تقاس بالطريقة أيضا. فالعبرة ليست في العدد فقط بل في نية الإبادة والتشويه ضد الموتى حتى وإن كان قتيل واحد "من قتل نفسا بغير حق أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا".. والجرائم مازالت ترتكب في حق الجزائريين بفعل ممارسات الميز العنصري عند بعض الفاعلين في فرنسا. الجرائم التي تعرض ومازال يتعرض لها الشعب الفلسطيني الشقيق كيف يمكن تصنيفها؟ الجرائم التي تعرض لها الشعب الفلسطيني لم تخطر على بال أحد.. فمجازر صبرا وشتيلا التي ارتكبها "أرييل شارون" كانت قمة في الوحشية واللاإنسانية ناهيك عن الجرائم الأخرى والتي مازالت ترتكب حتى اليوم في حق الشعب الفلسطيني. ولكن ما يحز في النفس هو أن القانون الدولي ومحكمة العدل الدولية لم تعد في خدمة الإنسانية وهي تغض الطرف عن الجرائم التي يرتكبها الغرب واليهود. فقد تأسست مجموعة من المحامين ومناضلي حقوق الإنسان كطرف ورفعوا دعوى قضائية ضد "أرييل شارون"، لأنه ارتكب جرائم ضد الإنسانية في صبرا وشاتيلا، بإحدى المحاكم البلجيكية، ولكن الولايات المتحدة الأمريكية تدخلت بتهديداتها ووعيدها لبلجيكا والقضاة المكلفين بالحكم في هذه الدعوى المؤسسة فتراجع هؤلاء خوفا من هذه التهديدات، وسلم الملف إلى محكمة العدل الدولية ب"لاهاي" ليدفن إلى الأبد.. والسؤال المطروح على هذه المحكمة وعلى النائبة العامة لهذه المحكمة "كارلا دالبونت" هو: لماذا الكيل بمكيالين خاصة عندما يتعلق الأمر بالعرب والمسلمين؟ الإرهاب اتخذ مفاهيم وتفاسير غربية على المقاس ما تفسيرك لهذه الظاهرة؟ الإرهاب العالمي هو من صنع الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أنه وبعد الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، بدأت أمريكا تفكر في خلق وصنع قوة ثالثة للقضاء على ما كان يسمى المعسكر الاشتراكي، حيث عملت جاهدة على خلق بؤر للتوتر في مختلف مناطق العالم لاسيما المناطق الاستراتيجية.. فالجميع يعلم أن أمريكا هي التي كانت تدعم المجاهدين في أفغانستان، كما دعمت كل الحكام الدكتاتوريين في مختلف البلدان، وعندما خرجت بعض الحركات عن سيطرتها أصبحت كل حركة تحررية مستقلة عن السيطرة الأمريكية تعتبر منظمة إرهابية.. فهل يعقل اعتبار حركات المقاومة والتحرر في كل من فلسطين والعراق وغيرها منظمات إرهابية؟ وحتى "صدام حسين" كان يعتبر عند الغربيين والأمريكيين زعيما ديمقراطيا ودعموه وساندوه في محاربة إيران، ولكنه عندما تجرأ وهدد بضرب "إسرائيل" وقفوا ضده وأزاحوه بتلك الطريقة المهينة. الحركة الصهيونية هي حركة مؤثرة في توجيه السياسات العالمية، في رأيك إلى ماذا يعود هذا التأثير؟ إن تأثير الحركة الصهيونية في العالم بهذا الشكل الأسطوري يعود إلى عدة عوامل من بينها: السيطرة شبه المطلقة على المال والاقتصاد السيطرة على مختلف وسائل الإعلام العالمية الثقيلة التحكم في وسائل التكنولوجيا بشكل شبه مطلق، ولذلك فالحركة الصهيونية بتوفرها على هذه الوسائل والإمكانيات استطاعت أن توجه وتؤثر في السياسات العالمية وأن تمارس عمليات الخلط.. فهل يعقل إصدار قانون دولي يجرّم كل إنسان ينتقد الصهيونية بدعوى معاداة السامية بالرغم من أن الصهيونية وما ارتكبته من جرائم في حق المسلمين والعرب هي أكبر بكثير مماارتكبته النازية في حق اليهود، واستطاعت الصهيونية بأن تشكل الأقليات النافذة في العواصم الأوروبية وأن تكون مؤثرة في توجيه سياسات هذه الدول، وحتى في الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن لأي مترشح أن يفوز بمنصب رئيس الجمهورية إذا لم يؤيد من قبل الأقلية اليهودية التي تصنع الرأي العام في أمريكا بحكم سيطرتها على وسائل الإعلام ورأس المال. ولكن في رأيك لماذا يؤيد بعض المثقفين العرب ويتعاطفون بشكل صريح وواضح مع الحركة الصهيونية رغم الجرائم التي ارتكبتها في حق العرب والمسلمين؟ أولا هؤلاء المثقفون لا يمكن وصفهم سوى أنهم "حركى القلم"، وقضية تعاطفهم مع الصهاينة هي مسألة مصالح مادية تقدم لهم من قبل الحركة الصهيونية العالمية، وهؤلاء "حركى القلم" ليس لهم أي مبدأ لأنهم يدافعون عن مصالح الحركة الصهيونية كما فعل الحركى مع المستعمرين ضد بلدانهم، والحركة الصهيونية تستعمل هذه الأقلام المأجورة لخدمة رسالتها ليس إلا. لقد شاركتم إلى جانب كل من عبد الكريم جعاد، عبد العزيز سبع، مصطفى شليفي، والمرحوم الطاهر جاووت وغيرهم، في إعداد ملف "ماذا يريد اليهود؟" في جريدة "الجزائر الأحداث" سنة 1987 وأثار ضجة إعلامية كبرى في أوروبا والدول الغربية.. هل لكم أن تصوروا لنا أجواء هذه القضية؟ في تلك الفترة بالضبط كانت حرب الإبادة ضد الفلسطينيين من قبل إسرائيل قد بلغت حدودها القصوى، فتحرك ضمير المثقفين والكتاب خاصة بعد أن وقف الفيتو الأمريكي لحماية الصهيونية وجرائمها في الأمم المتحدة ليقولوا كلمتهم، وفكرنا في إعداد الملف المذكور في سؤالك، والذي تزامن مع محاكمة النازي "كلوس باربي" بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية لأنه كان يبعث اليهود إلى بولونيا وألمانيا لقتلهم وحرقهم، فجاءتنا هذه الفكرة وجمعنا المادة ونشرناها في أسبوعية "الجزائر الأحداث" الصادرة بتاريخ 21 ماي 1987م ما أثار حفيظة الصحف الأوروبية والغربية والفرنسية بالخصوص التي قادت حملة إعلامية موسعة ضدنا واعتبرونا بأننا نكتب بتوجيه من الحكومة الجزائرية وبمساندة وتدعيم من قبل النازيين في ألمانيا، وذلك لأننا طالبنا في ذات الملف بأن تكون محكمة العدل الدولية في خدمة القانون الدولي وخدمة الإنسانية جمعاء ودون تمييز بين الأجناس والأديان واللغات، وقد طالب الكاتب الصحفي "جون دانيال" مدير جريدة "نوفل أوبسيرفاتور" والذي كرم من قبل الحكومة الجزائرية العام الماضي، في مقال نشر يوم 04 جوان 1987 بمعاقبة هؤلاء الكتاب الذين أعدوا الملف وسجنهم، وما حز في أنفسنا أكثر هو أن يأتي موقف من رجلين تاريخيين ساهما في صنع تاريخ الجزائر مؤيدا لموقف "جون دانيال" ومدعما له ولو بشكل غير مباشر، حيث نشرت جريدة "نوفل أوبسيرفاتور" في عددها الصادر يوم 10 جويلية 1987 رسالة موقعة من طرف المؤرخ محمد حربي والزعيم حسين آيت أحمد يهاجمان فيها المحامي جاك فيرجاس المعروف بنضاله إلى جانب القضايا العادلة وكذا تبيان الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية في العالم الثالث. واعتبر الرجلان بأن ما ارتكبته فرنسا لا يمكن مقارنته بما ارتكبه النازيون ضد اليهود، ولا يمكن اعتباره بأي حال من الأحوال جريمة ضد الإنسانية، بل هي أحداث عادية لا ينبغي أن تنسينا فيما وقع لليهود مع النازية (انظر الرسالة المنشورة).. وقد بعثت توضيحا كتابيا للكاتب "جون دانيال" لكنه رفض نشر توضيحاتي وبعث لي برسالة يفتخر قائلا "لي شرف عظيم وسعادة كبيرة عندما أمارس على أمثالك الرقابة والمقص". لقد وقعت بينك وبين محمد حربي مواجهة مباشرة في السنة الماضية وخرجت إلى الرأي العام عبر الصحف ما هي حيثيات هذه المواجهة؟ كان المؤرخ محمد حربي مدعوا بمناسبة 08 ماي إلى عقد ندوة بجامعة قسنطينة، فذهبت لاستقباله بفندق "بانوراميك" فاستقبلنا بحرارة وبدأنا نتجاذب أطراف الحديث، حيث سألته عن قانون 23 فيفري الممجد للاستعمار الفرنسي فتحفظ عن السؤال وبدا عليه نوع من الغضب ثم قال: "النواب الفرنسيون أحرار في أن يشرعوا ما يشاءون"، وبعد ذلك قدمت له كتابي المخطوط والمعنون ب:"رسائل من بربري جنوبي إلى متحضري الشمال: الغرب، البترول، الصهيونية، الله والعرب"، وطلبت أن يكتب تقديما لهذا الكتاب فقال سوف أنظر في الأمر ثم اعتذر وانصرف. وبعد أن عقد ندوته بالجامعة تقدم صديق صحفي من إحدى الجرائد حيث أدلى بتصريح وجرى بينهما حوار قصير، وبعد نشر الحوار أرسل حربي تكذيبا مصرحا بأنه لم يجر أي حوار ولم يدل بأي تصريح، واتهمنا بالهجوم عليه في الفندق، واتهمنا بأننا من رجال البوليس السري أو المخابرات نسعى لتكسير الديمقراطية والحريات في البلاد. وقد صدر هذا الاتهام الخطير في مختلف الصحف الجزائرية الناطقة بالفرنسية والتي رفضت بالمقابل رفضا قاطعا نشر الردود والتوضيحات التي أرسلتها لهم وذلك بالرغم من أنهم يعرفونني كقلم ساهم بالكتابة على صفحات بعضها، ولم تلتزم بحق الرد الذي يكفله قانون الإعلام. وبالمقابل نشرت "جمعية المؤرخين الجزائريين" بيانا تؤيد فيه محمد حربي مدعين بأننا نريد تكسير الديمقراطية، وقالوا بأنهم سيسعون لمواجهتنا بكل ما يملكون من قوة وتأثير. وقد راسلت شخصيا "الفيدرالية الدولية للصحفيين" وبعض المؤرخين العالميين مثل "مونصيرون" وكذا بعض مديري الصحف الجزائرية دون أي جواب لحد الآن. كتاباتك تتمحور حول نقطتين هما: محاربة العنصرية في العالم والبحث عن الحقيقة التاريخية المتعلقة بالممارسات الوحشية للاستعمار.. أين وصلت وما هي آفاق العمل مستقبلا؟ قبل التقاعد كنت مشغولا طوال الوقت ولم يكن لدي وقتا كافيا، ولكنني كنت أسرق الساعات خارج أوقات العمل لتبليغ أفكاري، وبعد التقاعد أصبحت مهووسا ومسكونا بضرورة تحقيق العدالة في إطار القانون الدولي، وأن تكون محكمة العدل الدولية مفتوحة وفي خدمة جميع الناس دون تمييز عرقي أو ديني أو لغوي، كما أنني مشغول بما تعانيه الجزائر من مشاكل اجتماعية معقدة، ومعركتنا مستقبلا تتمثل في النضال من أجل إقامة مشروع مجتمع واضح المعالم والأهداف.. فنحن ممزقون ومشتتون، أحيانا أخرى أكتب من أجل الترفيه ولكن غالبا ما أكتب لأعبر عن الضمير الجمعي للإنسانية.حاوره: يزيد بوعنان
No comments:
Post a Comment